فصل: تفسير الآية رقم (26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (12- 13):

{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)}
قوله تعالى: {لَّوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} هلا إذا سمعتم الإِفك.
{ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} فيه وجهان:
أحدهما ظن بعضهم ببعض خيراً كما يظنون بأنفسهم.
الثاني: ظنواْ بعائشة عفافاً كظنهم بأنفسهم.
{إِفْكٌ مُّبِينٌ} أي كذب بيِّن.
قوله تعالى: {لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيِهِ} أي هلا جاءُوا عليه لو كانوا صادقين.
{بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءِ} يشهدون بما قالوه.
{فَإِذَا لَمْ يأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ} الآية.

.تفسير الآيات (14- 19):

{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)}
قوله تعالى: {وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون وعيداً بما له عند الله من العقاب.
الثاني: أريد به تكذيب المؤمنين الذي يصدقون ما أنزل الله من كتاب.
واختلف هل حد النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الإِفك على قولين:
أحدهما: أنه لم يحدّ أحداً منهم لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو بينة ولم يتعبدنا الله أن نقيمها بإخباره عنها كما لم يتعبدنا بقتل المنافقين وإن أخبر بكفرهم.
والقول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الإِفك حسان بن ثابت وعبد الله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت حجش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة رواه عروة بن الزبير وابن المسيب عن عائشة رضي الله عنها فقال بعض شعراء المسلمين:
لقد ذاق حسان الذي كان أهله ** وحمنةُ إذ قالا هجيراً ومسطح

وابن سلول ذاق في الحدّ خزيه ** كما خاض في إفك من القول يفصح

تعاطوْا برجم الغيب زوج نبيّهم ** وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا

وآذواْ رسول الله فيها فجللوا ** مخازي تبقى عمموها وفضحواْ

فصبت عليهم محصدات كأنها ** شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح

حكى مسروق أن حسان استأذن على عائشة فقلت أتأذنين له فقالت: أو ليس قد أصابه عذاب عظيم. فمن ذهب إلى أنهم حدوا زعم أنها أرادت بالعذاب بالعظيم الحد، ومن ذهب إلى أنهم لم يحدّوا زعم أنها أرادت بالعذاب العظيم ذهاب بصره، قاله سفيان. قال حسان بن ثابت يعتذر من الإفك:
حَصَانٌ رزانٌ ما تُزَنّ بِرِيبَةٍ ** وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الغَوَافِلِ

فإن كنتُ قد قلتُ الذي بُلِّغْتُم ** فلا رَفَعَتْ سَوْطِي إليَّ أنامِلِي

فكيفَ ووُدِّي ما حَيِيتُ ونُصْرَتِي ** لآلِ رسُولِ اللَّهِ زَينِ المَحَافِلِ

قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: هو أن تتحدث به وتلقيه بين الناس حتى ينتشر.
الثاني: أن يتلقاه بالقبول إذا حدث به ولا ينكره. وحكى ابن أبي مليكة أنه سمع عائشة تقرأ إذ تلِقونه بكسر اللام مخففة وفي تأويل هذه القراءة وجهان:
أحدهما: ترددونه، قاله اليزيدي.
الثاني: تسرعون في الكذب وغيره، ومنه قول الراجز:
.............. ** جَاءَتْ به عنسٌ من الشام تَلِقْ

أي تسرع.

.تفسير الآيات (20- 21):

{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)}
قوله تعالى: {لاَ تَبَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: خطايا الشيطان، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: آثاره، قاله ابن شجرة.
الثالث: هو تخطي الشيطان الحلال إلى الحرام والطاعة إلى المعصية، قاله ابن عيسى.
الرابع: هو النذور في المعاصي، قاله أبو مجلز.
ويحتمل خامساً: أن تكون خطوات الشيطان الانتقال من معصية إلى أخرى مأخوذ من نقل القدم بالخطو من مكان إلى مكان.

.تفسير الآيات (22- 25):

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)}
قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ} وقرئ ولا يتأل وفي اختلاف القراءتين وجهان:
أحدهما: أن معناهما متقارب واحد وفيه وجهان:
أحدهما: أي لا يقتصر مأخوذ من قولهم لا ألوت أي لا قصرت، قاله ابن بحر.
الثاني: لا يحلف مأخوذ من الألية وهي اليمين.
- والقول الثاني: معناهما مختلف فمعنى يأتل أي يألو أو يقصر، ومعنى يتأل أي يحلف.
{أَن يُؤْتُواْ أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي لا يحلفوا ألاّ يبروّا هؤلاء، وهذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان ينفق على مسطح بن أثاثة فلما خاض في الإِفك ونشره حلف أبو بكر ألا يبره وكان ابن خالته فنهاه الله عن يمينه وندبه إلى بره مع إساءته. وهذا معنى لا يألو جهداً فالمنهى عنه فيها التوقف عن بر من أساء وأن نقابله بالتعطف والإِغضاء، فقال: {ولْيَعْفُواْ ولْيَصْفَحُواْ} وفيها وجهان:
أحدهما: أن العفو عن الأفعال والصفح عن الأقوال.
الثاني: أن العفو ستر الذنب من غير مؤاخذة والصفح الإِغضاء عن المكروه.
{أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم} أي كما تحبون أن يغفر الله لكم ذنوبكم فاغفروا لمن أساء إليكم، فلما سمع أبو بكر هذا قال: بلى يا رب وعاد إلى برِّه وكفّر عن يمينه.

.تفسير الآية رقم (26):

{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)}
قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبيثِينَ} الآية. فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء، قاله ابن زيد.
الثاني: الخبيثات من الأعمال للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس للخبيثات من الأعمال والطيبات من الأعمال للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الأعمال قاله مجاهد وقتادة.
الثالث: الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من الكلام، والطيبات من الكلام للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الكلام قاله ابن عباس والضحاك. وتأول بعض أصحاب الخواطر: الخبيثات الدنيا، والطيبات الآخرة.
{أُوْلئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن عائشة وصفوان مبرآن من الإِفك المذكور فيهما، قاله الفراء.
الثاني: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مبرآت من الفواحش، قاله ابن عيسى.
الثالث: أن الطيبين والطيبات مبرؤون من الخبيثين والخبيثات، قاله ابن شجرة.

.تفسير الآيات (27- 29):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)}
قوله تعالى: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْر بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأُنِسُواْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: حتى تستأذنوا. واختلف من قال بهذا التأويل فقال ابن عباس: أخطأ الكاتب فيه فكتب تستأنسوا وكان يقرأ: حتى تستأذنوا. وقال غيره: لأن الاستئذان مؤنس فعبر عنه بالاستئناس، وليس فيه خطأ من كاتب ولا قارئ.
الثاني: معناه حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح فيعلموا بقدومك عليهم، قاله مجاهد.
الثالث: أن تستأنسوا يعني أن تعلموا فيها أحداً استأذنوه فتسلموا عليه ومنه قوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشداً} [النساء: 6] أي علمتم، قاله ابن قتيبة. وقال ابن الأعرابي الاستئناس الاستثمار، والإيناس اليقين. والإذن يكون بالقول والإشارة. فإن جاهر فسؤال، فقد روى قتادة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَسُولُ الرَّجُلِ إِذْنُهُ فَإِنِ اسْتَأَذَنَ ثَلاَثاً وَلَمْ يُؤْذَنْ لَه ولَّى فلم يُراجِعْ فِي الاسْتِئْذَانِ» روى الحسن البصري أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر رضي الله عنه ثلاثاً فلم يؤذن له فرجع فأرسل إليه عمر فقال: ما ردّك؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَأَذَنَ ثلاثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِع» فقال عمر: لتجيئني على بينة أو لأجعلنك نكالاً فأتى طلحة فشهد له قال الحسن: الأولى إذنٌ، والثانية مؤامرة، والثالثة: عزمة، إن شاءواْ أذنوا وإن شاءوا ردوا.
ولا يستأذن وهو مستقبل الباب إن كان مفتوحاً، وإن أذن لأول القوم فقد أذن لآخرهم، ولا يقعدوا على الباب بعد الرد فإن للناس حاجات.
{وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أُهْلِهَا} والسلام ندب والاستئذان حتم. وفي السلام قولان:
أحدهما: أنه مسنون بعد الإذن على ما تضمنته الآية من تقديم الإِذن عليه.
الثاني: مسنون قبل الإذن وإن تأخر في التلاوة فهو مقدم في الحكم وتقدير الكلام حتى تسلموا وتستأذنوا لما روى محمد بن سيرين أن رجلاً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أأدخل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل عنده: «قُمْ فَعَلِّمْ هذَا كَيْفَ يَسْتَأْذِنُ فإِنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ» فسمعها الرجل فسلم واستأذن.
وأولى من إطلاق هذين القولين أن ينظر فإن وقعت العين على العين قبل الإِذن فالأولى تقديم السلام، وإن لم تقع العين على العين قبل الإذن فالأولى تقديم الاستئذان على السلام.
فأما الاستئذان على منازل الأهل فإن كانوا غير ذي محارم لزم الاستئذان عليهم كالأجانب وإن كانوا ذوي محارم وكان المنزل مشتركاً هو فيه وهم ساكنون لزم في دخوله إنذارهم إما بوطءٍ. أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العودة بينهما. وإن لم يكن المنزل مشتركاً ففي الاستئذان عليهم وجهان:
أحدهما: أنها النحنحة والحركة.
الثاني: القول كالأجانب. ورى صفوان عن عطاء بن يسار أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أستأذن على أمي»؟ فقال: «نعم» فقال إني أخدمها فقال: «استأذن عليها» فعاوده ثلاثاً: فقال: «أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً» قال: لا قال: «فَاسْتَأْذِنْ عَلَيهَا».
قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً} يعني يأذن لكم.
{فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُم} ولا يجوز التطلع إلى المنزل ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ لأَجْلِ البَصَرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَفْتُوحاً فَيَجُوزُ إِذا كَانَ خَارِجاً أَنْ يَنْظُرَ لأَنَّ صَاحِبَهُ بالفتح قَدْ أَبَاحَ النَّظَرَ»
{وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} وهنا ينظر فإن كان بعد الدخول عن إذن لزم الانصراف وحرم اللبث، وإن كان قبل الدخول فهو رد الإِذن ومنع من الدخول. ولا يلزمه الانصراف عن موقفه من الطريق إلا أن يكون فناء الباب المانع فيكفي عنه، قال قتادة: لا تقعد على باب قوم ردوك فإن للناس حاجات.
قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} فيها خمسة أقاويل:
أحدها: أنها الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة، قاله محمد بن الحنفية رضي الله عنه.
الثاني: أنها حوانيت التجار، قاله الشعبي.
الثالث: أنها منازل الأسفار ومناخات الرجال التي يرتفق بها مارة الطريق في أسفارهم، قاله مجاهد.
الرابع: أنها الخرابات العاطلات، قاله قتادة.
الخامس: أنها بيوت مكة، ويشبه أن يكون قول مالك.
{فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها عروض الأموال التي هي متاع التجار، قاله مجاهد.
الثاني: أنها الخلاء والبول سمي متاعاً لأنه إمتاع لهم، قاله عطاء.
الثالث: أنه المنافع كلها، قاله قتادة، فلا يلزم الاستئذان في هذه المنازل كلها. قال الشعبي: حوانيت التجار إذنهم جاءوا ببيوتهم فجعلوها فيها وقالوا للناس: هَلُمّ.